عرض المقال
متى نقرأ الخريطة؟
2012-10-28 الأحد
كيف تعرف المصرى فى أوروبا؟، من الممكن أن تتعرف عليه من خلال ملامحه أو لهجته ولغته، ولكن الأهم أنك إذا رأيت شخصاً تائهاً يسأل عن عنوان وفى يده خريطة المدينة فأنت حتماً أمام مواطن مصرى؟، هذا ليس لأننا أغبياء وليس لأننا نجهل القراءة أو لأن لغتنا الأجنبية ضعيفة، بالعكس هناك ذكاء فطرى يظهر وينمو خاصة حين تتهيأ له التربة الصالحة هناك فى الخارج، إذن ما هى المشكلة؟، إنها الخريطة، خصامنا مع الخرائط، عدم قدرتنا على قراءة خريطة، ترى الطفل الفرنسى أو الإنجليزى أو الهولندى أو اليابانى.. إلخ إذا كان سائحاً أو مواطناً، تراه ممسكاً بالخريطة فى وسط الميدان ويظل يشير (يمين فى شمال) عليها حتى يصل بخياله إلى العنوان المنشود، أما نحن فلو أمسكناها بطريقة صحيحة من أصله ترانا وكأننا ننظر إلى طلاسم هيروغليفية، فين الشارع اللى احنا واقفين فيه؟!، والخط ده إيه والدايرة دى إيه وإحنا يمين ولّا شمال ولّا فوق ولّا تحت؟!!، أسئلة لا تنتهى، نسألها ونحن نفتح أفواهنا وأعيننا ومسام جلدنا اندهاشاً وتولة!. نغضب جداً عندما نسأل فرنسياً فى محطة المترو عن محطة معينة فيشيح بوجهه مشيراً إلى خريطة المترو المعلقة فى كل ركن فى المحطة!، كيف يتحدث إلينا هذا الرجل العنصرى بهذه الطريقة برغم أن اسم المحطة التى أنت فيها مكتوب وبرغم أن اسم المحطة التى أنت ذاهب إليها مكتوب وما ينقصك هو مجرد النظر إلى الخريطة!، ولكن ماذا أفعل وأنا أكره الخريطة وشكل الخريطة وسيرة الخريطة. تربينا فى المدرسة على كراهية الخريطة، إذا رسمناها نشفها من الكتاب ونحن لا نفقه ماذا نشف؟!، وإذا طُلب منا تلوين هضاب وجبال وبحار كانت تلك هى الطامة الكبرى، فلا يوجد تلميذ مصرى منذ زمن جمال حمدان يحب الجغرافيا، فهى فى عرف الجميع مادة سخيفة لا ضرورة لها برغم أنها هى الحياة وتشكلها على الأرض، برغم أننا لا يمكن أن نفهم ماضينا بدون جغرافيا ولا يمكن أن نصنع مستقبلنا بدون جغرافيا!، للأسف تحولت الجغرافيا بفضل الدروس الخصوصية إلى قص ولزق وكلام ببغاوات يسهل تقيؤه على أوراق الإجابة فى الامتحانات وبعدها مايجوزش ع الميت إلا الرحمة، والجغرافيا تموت من الذاكرة بمجرد الخروج من لجنة الامتحان. نحن كمواطنين لا نعرف خريطة حياتنا، منذ طفولتنا حتى شيخوختنا، نعيش بنظرية آهى ماشية وآهى عيشة والسلام…الخ، طالب الثانوية العامة لا يعرف ولا يحدد هو عايز إيه، لا يهمنى المجموع ولكن تهمنى رغبته عندما تسأله عايز تطلع إيه فيقول مش عارف!!، البلد كلها مش عارفة الخريطة، هى رايحة على فين.. يمين أم شمال.. فوق أم تحت، لا يعرف أهلها من الجغرافيا إلا حار جاف صيفاً دفىء ممطر شتاء، هكذا اختزلت الجغرافيا كما اختزلت كل تفاصيل حياتنا، فمتى يولد جمال حمدان جديد؟.